-->
U3F1ZWV6ZTI0OTIyODIyOTkxX0FjdGl2YXRpb24yODIzNDExOTk3MTU=

من العالم الذي قطَّع الأمير من جسده وألقى في الفرن وهو حي؟


في قرية جور الفارسية وُلد ( رَوْزَبَةُ بن دَاذَوَيْهِ ) وارتحل مع أسرته إلى البصرة فتربَّى فيها و نشأ . 
كان (روزبةُ ) مجوسيَّا يتعلَّم الثَّقافة العربيَّة و الفَارِسِيَّة و اليونانيَّة ، و لمَّا شَبَّ على العلم و ظهرت عليه علامات النَّجابة اختاره أمراءُ بني أميَّة ليعملَ كَاتباً لِرَسائلهم ،ودواوينهم في العراق . 

اسلام روزبة 

لما حدثت الفتنة بين بني أمية و بني العبَّاس قَتَل العبَّاسيون عددا كبيراً من الكتاب و الموظَّفين الذين عَملوا لدى الأمويين ، ولكن ( رَوْزَبة ) نجا من هذه المقتلة . 
وعندما علم العبَّاسيون عن سعة علمه ،واطلاعه طلبوا منه ترجمة بعض كتب المنطق الفارسي فترجمها ،ورجع مرة أخرى للعمل كاتباً في دواوين بني العبَّاس. 
وقد فكَّر ( روزبة ) في الدُّخولِ إلى الإسلامِ فساعده على ذلك عيسى بن عليِّ أحدُ أبناء العبَّاسيين . 
ومن هنا بدأت مرحلةٌ جديدة في حياة (روزبة ) فقد غيَّر اسمه إلى ( عبد الله ) و كنيته إلى ( إبي محمد ) ، وكان أبوه يُلقَّبُ ( بالمقفَّع ) فظهر اسم الكاتب الكبير ( عبد الله بن المقفع ) و عرفه النَّاسُ بذلك . 

علم ابن المقفع و بلاغتُه 

قالوا إن ابن المقفع انتهى إليه سَقْفُ البلاغة العربية ،وقد جالسَ الخليلَ ابنَ أحمد يومًا فلما انصرف سأل النَّاسُ الخليل ما رأيُك في ابن المقفَّعِ قال : «رجلٌ علمه أكبرُ مِنْ عَقْلِهِ ». 
فعندما تقرأ في كتب ابن المقفع تشعر أنك تقف أمام شجرة واحدة فيها ثمارٌ متنوعة 
فكان إذا أراد أن يكتب شيئًا ،كثيرًا ما يتوقَّفُ أثْناءَ الكتابة ، فقيل له ما سببُ ذلك ؟ فقال: إن الكلام يزدحم في صدري فأتوقف لاختياره . 
فكان بذلك أحدَ أسَاطِين العربية وخدَّامها حتى قيل عنه : « ما رُزِقَت العربية كاتبًا حَبَّبَ الحكمةَ إلى النفوسِ كابنِ المقفعِ». 
وما رأينا في تاريخ العربية كاتباً أبرع منه في نقل الكتب من لغة أجنبية إلى اللغة العربية. 

كتابات ابن المقفَّع و تراثه 

عمل ابنُ المقفَّع على نقل كتاب كليلة و دمنة من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية فصار تحفة أدبية بلاغيَّة لا يملُّ القُرَّاءُ مِنْ قِرَاءَتِهِ ، وَ لِذَلِك كان العلماء قديما يحملونه معهم في أسفارهم و يعقدون المجالس و الدروس لمناقشة مافيه من الفوائد التي لا تُحصى ولا تعد. 
كذلك خلَّف ابنُ المقَفَّع عدداً من الرسائل والكتب الثمينة التي لايستغني عن مطالعتها الصَّغير والكبير، والوزير، والخفير أهمها كتاب (الأدب الكبير)، وكتاب (الأدب الصغير)، ورسالة (الصديق)، و(الدُّرة اليتيمة)، وغيرها من المؤلفات النَّافعة . 

وفاة ابن المقفَّع 

إذا كان سيبويه قد مات كمداً على علمه فإنَّ ابن المقفَّع قد قتله قلمه و لسانه ، ولكن كيف حدث ذلك ؟ 
كان ابن المقفَّع يكره رجلا اسمه (سفيان بن معاوية بن يزيد) أحد رِجَال الخليفة و كثيراً ما كان يحدُث بينهما السِّبابُ و الاستهزاءُ حتَّى قيل إنَّ (سفيان) كان ذا أنف طويل ، فإذا دَخَلَ ابنُ المقفع عليه قال له «السلام عليكما» فإذا سُئِلَ عن ذلك قال «سلام على سفيان والآخرُ على أنفه» ! 
وقيل أيضا إَنَّهما تسابَّا فسبَّه ابن المقفع بأمه ، فلما حدثت بعضُ الفتن بين الخليفة و بعضُ النَّاس تَورَّط ابن المقفع في تلك الفتنة لأنَّه كتب شيئا لا يُرتاح إليه فأمر الخليفة ( أبو جعفر المنصور ) بقتله ،فتحمَّسَ (سُفْيانُ بن معاوية بن يزيد ) لذلك و أراد أن ينتقم من ابن المقفع . 
لكنَّه أشاع عن ابن المقفع قبل أن يقتله بأنَّه زنديقٌ يضلل النَّاسَ وَ يَطْعَنُ في القرآن ، ثم أمر بتنور و أَسْرَجَهُ و أمر بتقطيع جسد ابن المقفع و هو حيٌّ و إلقائه في النَّار ، فقطعوا منه و ألقوا في النَّار وهو ينظر ،ثم دقوا عنقه فمات. 
وَ كُتُبُهُ من أوَّلـها إلى آخرها ليس فيها شيءٌ يدعُو إلى الزَّنْدقة بل فيها الكلام الكثير الذي يدعو إلى التوحيد و عبادة الله ، و الله أعلم بالحقائق.
و إن كان سيبويه قد فارق الدنيا وهو ابنُ نيِّفٍ و ثلاثينَ فإن ابن المقفع مات وهو في السَّادسة و الثلاثين من عمره. 


المصدر : كتاب اللسان العربي
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة