-->
U3F1ZWV6ZTI0OTIyODIyOTkxX0FjdGl2YXRpb24yODIzNDExOTk3MTU=

الردة مفهومها و أسبابها وأنواعها في الشريعة الإسلامية








تعريف الردة في اللغة : 

قال ابن فارس الراء والدال أصلٌ واحدٌ مطّردٌ منقاس، وهو رَجْع الشَّيء. تقول: ردَدْتُ الشَّيءَ أرُدُّه ردّاً. 

وسمِّي المرتدُّ لأنّه ردّ نفسَه إلى كُفْره.

وقال ابن منظور وفي التنزيل: من يرتدد منكم عن دينه؛ والاسم الرِّدّة، ومنه الردَّة عن الإِسلام أَي الرجوع عنه. 

وارتدَّ فلان عن دينه إِذا كفر بعد إِسلامه.

معنى الردة في الاصطلاح : 

يقول النووي – رحمه الله - : " الردة هي قطع الإسلام بنيِّة، أو قول كفر، أو فعله، سواء قاله استهزاءً، أو عناداً، أو اعتقاداً".

فالردة هي الرجوع عن الإسلام بارتكاب ناقض من نواقضه القولية أو القلبية أو العملية، والردة صورة من صور الكفر التي تدور بمجموعها حول التكذيب والجحود.

جذور الردة في الإسلام 

قال الواقدي –رحمه الله - قَالَ الرَّاوِي: ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا اسْتَقَامَ الأَمْرُ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّنِي قَدْ وَلِيتُكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، أَلا إِنَّ الصِّدْقَ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبَ خِيَانَةٌ، أَلا وَإِنَّ الضَّعِيفَ عِنْدِي قَوِيٌّ حَتَّى آخُذَ لَهُ الْحَقَّ ، وَالْقَوِيَّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ، أَلا وَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلا ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ، وَلَمْ تَشِعِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلا وَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْبَلاءِ، فَأَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، وَإِذَا عَصَيْتُ فَلا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَيَّامًا قَلائِلَ حَتَّى ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ عَلَى أَعْقَابِهَا كُفَّارًا، فَمِنْهُمْ مَنِ ارْتَدَّ وَادَّعَى النبوة، ومنهم من ارتد ومنع الزكاة قَالَ: فَارْتَدَّتْ بَنُو أَسَدٍ وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيَّ ، وَهُوَ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي أَرْضِ بَنِي أَسَدٍ، وَارْتَدَّتْ فَزَارَةُ وَرَأَّسُوا عَلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ ، وَارْتَدَّتْ بَنُو عَامِرٍ وَغَطَفَانُ، وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ قُرَّةَ بْنِ سَلَمَةَ الْقُشَيْرِيِّ، وَارْتَدَّتْ بَنُو سُلَيْمٍ وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْفُجَاءَةَ بْنَ عَبْدِ يَالِيلَ السُّلَمِيَّ، وَارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَرَأَّسُوا عَلَيْهِمُ امرأة يقال لها سجاح ، وَارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ كِنْدَةَ وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ وَغَيْرَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ، وَارْتَدَّتْ بَنُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ بِأَرْضِ الْبَحْرَيْنِ ، وَرَأَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْحَكَمَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَاجْتَمَعَتْ بَنُو حَنِيفَةَ إلى مسيلمة الكذاب بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ، فَقَلَّدُوهُ أَمْرَهُمْ وَادَّعَى أَنَّهُ نَبِيُّهُمْ.
قَالَ: وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ، فَاغْتَمَّ، فَبَادَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَادَى فِي الْعَرَبِ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ أُغْنِي مَا تُغْنُونَ، وَأُحَامِي كَمَا تُحَامُونَ، وَأَنْتُمْ شركائي في هذا الأمر، فهاتوا مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الرَّأْيِ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِنَّ الْعَرَبَ قَدِ ارْتَدَّتْ عَلَى أَعْقَابِهَا كُفَّارًا كَمَا قَدْ عَلِمْتَ، وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُنْفِذَ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَفِي جَيْشِ أُسَامَةَ جَمَاهِيرُ الْعَرَبِ وَأَبْطَالُهُمْ، فَلَوْ حَبَسْتَهُ عِنْدَكَ لَقَوِيتَ بِهِ عَلَى مَنِ ارْتَدَّتْ مِنْ هَؤُلاءِ الْعَرَبِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ السِّبَاعَ تَأْكُلُنِي فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ لأَنْفَذْتُ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، كَمَا قال النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: (امْضُوا جَيْشَ أُسَامَةَ) 

، قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ الله لَنا [3] سورة التوبة: 51.، وَأَمَّا مَنِ ارْتَدَّتْ مِنْ هَؤُلاءِ الْعَرَبِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لا يُصَلِّي وَقَدْ كَفَرَ بِالصَّلاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي وَقَدْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، وَلا وَاللَّهِ يَا أَبَا حَفْصٍ مَا أُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ لأَنَّهُمَا مَقْرُونَتَانِ. 

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَوْ أَغْمَضْتَ وَتَجَافَيْتَ عَنْ زَكَاةِ هَؤُلاءِ الْعَرَبِ فِي عَامِكَ هَذَا وَرَفَقْتَ بِهِمْ، لَرَجَوْتُ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: أُمِرْتُ أَنْ أقاتِلَ الناسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إلهَ إِلا اللَّهُ وَإِنِّي محمدٌ رسولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا منِّي دماءَهم وأموالَهم إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله

قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي مِنَ الزَّكَاةِ عِقَالا مِمَّا كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَدًا وَلَوْ مَا حَيِيتُ ، ثُمَّ لنحاربنَّهم أَبَدًا حَتَّى يُنْجِزَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَيَفِيَ لَنَا عَهْدَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ ،وَقَوْلُهُ صِدْقٌ لا يُخْلَفُ لَهُ : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) سورة النور 55.
قَالَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّمَا قْد شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَكَ لِقِتَالِ الْقَوْمِ، فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ

حد الردة في الإسلام مفهومه و أدلته. 

التعريف بحد الردة و أهميته : 

هو حد الجناية على دين الإسلام، والخروج على جماعة المسلمين، وهو حد له نظائر في الشرائع السماوية جميعهاً، والقوانين الوضعية تحمي نفسها. 

مثال: في المسيحية ما يسمي (حق الحرمان) وهو عقوبة مشهورة ومطبقة، بل كان الباباوات يطبقونها على الخارجين عن سلطان الكنيسة، ولو كان من الأباطرة. 

وفي القوانين الوضعية المعاصرة أي إنسان يعتدي على النظام العام للدولة في أي أمة من الأمم سواء كان نظامها شيوعياً أو رأسمالياً أو غير ذلك يتعرض للعقاب، وقد يصل الأمر في ذلك إلي حد تهمة الخيانة العظمي، التي تعاقب عليها معظم الدول بالإعدام! 

فهل الدين أهون من مثل ذلك؟ !

حد الردة في القرآن و السنة. 

لا توجد في كتاب الله تعالى آية صريحة في حكم المرتد عن الإسلام وهي شبهة يتلقفها المرجفون – وسيأتي بيان ذلك – لكن ثمة آيات تصرح بأن لهم عذابا أليما في الدنيا و الآخرة ومنها قوله تعالى يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ۚ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) التوبة (74) . 

أما عن الأحاديث الوارة في هذا الصدد كروايات وطرق تصل إلى مئات ، ولكن بالنظر إلى أسباب الورود نجد أنها تصل من خمس إلى عشر حالات

ولهذه الأدلة وغيرها أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على عقوبة المرتد وجمهورهم - بما فيهم المذاهب الأربعة وغيرها - أنها القتل لصريح الأحاديث النبوية. 

أولاً: الآيات المُتأوَّلة من القرآن. 

ففي القرآن الكريم يقول رب العزة: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتَّلوا.} . الآية 33 المائدة 

والمحاربة نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان. 

والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكي من المحاربة باليد، ولذلك كان النبي يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد، وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يُصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تُصلحه اليد، فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد. 

فهذا المرتد عن دين الإسلام المحارب لله ورسوله،أولي باسم المحارب المفسد من قاطع الطريق. 

ويؤكد أن المحارب لله ورسوله باللسان قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق، ما رواه أبو داود في سننه مفسراً لقوله (: (التارك لدينه المفارق للجماعة)

وكذلك قوله عليه الصلاة و السلام ((لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: رجل زني بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله، فإنه يقتل أو يصلب، أو ينفي من الأرض، أو يقتل نفساً فيُقْتَل بها.))

فهذا المستثنى هو المذكور في قوله ((التارك لدينه المفارق للجماعة)) ولهذا وصفه بفراق الجماعة، وإنما يكون هذا بالمحاربة. ويؤيد ذلك أن الحديثين تضمنَّا أنه لا يحل دم من يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والمرتد لم يدخل في هذا العموم، فلا حاجة إلى استثنائه. 

وعلى هذا فيكون ترك دينه عبارة عن خروجه عن موجب الدين، ويفرق بين ترك الدين وتبديله، أو يكون المراد به من ارتد وحارب كالعُرَنيين".

ويؤيد أن المرتد عن دين الإسلام المشكك، والطاعن في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله محارب لله ورسوله، وأن الآية الكريمة تشمله ،ما روي عن أنس، وابن عمر، وابن عباس وغيرهم، أن آية المحاربة نزلت في قوم من عرينة سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. 

فعن ابن عمر أن ناساً أغاروا على إبل النبي (فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله (مؤمناً، فبعث في آثارهم، فأخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَلَ أعينهم، وقال: ونزلت فيهم آية المحاربة.

والعلاقة بين العقوبة والجريمة في الردة والبغي: هي المعاملة بالقسطاس المستقيم فلما كان المرتد يعد خارجاً على النظام العام، والباغي يبتغي تقويض نظام الحكم. 

والنظام، واستقرار الحكم، أمران ضروريان لا غني للبشر عنهما، فهدمهما هدم للحياة، والخيانة وعدم النظام، لا تستقيم الحياة معهما. 
ويدل أيضاً على قتل المرتد قوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أينما ثقفوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تقتيلاً. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً} الآيات 60 - 62 الأحزاب. 

قال الحسن البصري: أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه وأسرُّوه "

وهذا يعني أن المنافق حين يظهر كفره، ويطعن في دين الله عز وجل، يُأْخَذْ ويُقْتَلْ عقاباً له. 

والسؤال هنا: هل هناك شك في أن المرتد عن دين الإسلام منافق؟ يسعى إلي تفريق جماعة المسلمين، وإفساد دينهم عليهم؟ ! . 

فالمرتد كما سبق وأن قلنا: إن كانت ردته بينه وبين نفسه، دون أن ينشر ذلك بين الناس، ويثير الشكوك في نفوسهم، فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء، فالله وحده هو المطلع على ما تُخفِي الصدور. 

أما إذا أظهر المرتد عن دين الإسلام ردته، وأثار الشكوك في نفوس المسلمين بالنطق بكلمة الكفر، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة. 

كان حاله في هذه الحالة حال المنافق الذي يُظهر ما في قلبه من الكفر والنفاق. 
ومن الآيات التي توجه في هذا الباب أيضا قوله تعالى : {قل هل تربصُّون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} . الآية 52 التوبة 

قال أهل التفسير (أو بأيدينا) بالقتل: إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم، وهو كما قالوا؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم. 

فهل بعد كل هذه الآيات الكريمات شك، في أن المرتد إذا أظهر كلمة الكفر، مثل المنافق، جزاؤه القتل بصريح القرآن الكريم؟ !. 

أما إذا كان المرتد ردته بينه وبين نفسه، ولم يعلن بها، فحكمه في هذه الحالة، حكم المنافق المعلوم نفاقه بعلامات المنافقين، غير أنه لم يعلن كلمة الكفر، فيعامل بحسب الظاهر من إيمانه، ويحصن به من القتل. 

وهذا من حكم عدم قتل النبي بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم! 

أن أجري عليهم أحكام الدنيا على حسب الظاهر من إيمانهم والله يتولى السرائر وهذا ما أكده النبي (في مواقف عدة منها:ـ 

قوله (لأسامة بن زيد رضي الله عنه لما أخبر النبي (أنه قتل من قال ((لا إله إلاَّ الله)) خوفاً من السيف، فقال له النبي (( (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)) فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. وفي رواية قال له رسول الله (( (فكيف تصنع بلا إله إلاَّ الله، إذا جاءت يوم القيامة؟ قال يا رسول الله! استغفر لي. قال: وكيف تفعل بلا إله إلاَّ الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال فجعل لا يزيده على أن يقول، كيف تصنع بلا إله إلاَّ الله إذا جاءت يوم القيامة؟ . () 

وكقوله عليه الصلاة و السلام (للذي ساره في قتل رجل من المنافقين: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال الأنصاري بلي يا رسول الله؛ ولا شهادة له. قال رسول الله (أليس يشهد أن محمداً رسول الله؟ قال بلي يا رسول الله! قال: أليس يصلي؟ قال بلي يارسول الله؛ ولا صلاة له. فقال رسول الله (( (أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم)).

ثانيا: الأحاديث الواردة في السنة النبوية . 

في صحيح السنة النبوية، والسيرة العطرة نجد التطبيق القولي والعملي من النبي للآيات الكريمات السابقة المجاهدة لكل من يرتد ويظهر كلمة الكفر، ويفسد على المسلمين دينهم، ويؤذيهم في ربهم عز وجل، ونبيهم (بإهدار دمه، يدل على ذلك ما يلي: 
ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: كان عبد الله بن أبي سرح يكتب لرسول الله (فأزله الشيطان، فلحق بالكفار، فامر به رسول الله (أن يقتل يوم الفتح؛ فاستجار له عثمان بن عفان، فأجاره الرسول.)

وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي (، فقال: يا رسول الله بايعْ عبد الله؛ فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: ((أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلي هذا، حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك؛ ألا أومأت إلينا بعينيك؟ قال: ((إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)).

وكان عبد الله بن سعد، أحد الرجال الذين أهدر النبي (دمائهم يوم فتح مكة، وقال: ((اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة))
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله (حين أرسله إلي اليمن قال له: ((أيمارجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن تاب فاقبل منه، وإن لم يتب فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام، فادعها، فإن تابت فاقبل منها وإن لم تتب فاضرب عنقها). 

وقد طبق معاذ حد الردة لما قدم على أبي موسى الأشعري باليمن وخاطبه قائلاً ((انزل. وألقي له وسادة، وإذا رجل عنده موثق. قال ما هذا؟ قال: هذا كان يهودياً فأسلم. ثم راجع دينه، دين السوء، فتهود. قال: لا أجلس حتى يقتل. قضاء الله ورسوله. فقال: اجلس نعم قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله. ثلاث مرات. فأمر به فقتل. ثم تذاكرا القيام من الليل. فقال أحدهما، معاذٌ: أما أنا فأنام وأقوم، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي)) 

وغير ذلك من الروايات التي جاء فيها إهدار النبي دم من كان يؤذيه بالسب فعن عليّ رضي الله عنه أن يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل الرسول دمها)) 
كذلك قوله عليه الصلاة و السلام من بدل دينه فاقتلوه .

ثالثاً: إجماع الصحابة على وجوب قتل المرتد: 

أجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم أئمة الإسلام، على حد الردة، فنقل عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل المرتد عن دين الإسلام في قضايا متعددة، وينتشر مثلها ويستفيض، ولم ينكرها أحد منهم، فصارت إجماعاً على وجوب قتل المرتد" 

فمن ذلك مايلي: - 
أن أبا بكر رضي الله عنه قتل أم قرفة الفزاريه في ردتها، قتلة مثلة، شد رجليها بفرسين، ثم صاح بهما فشقاها، وأم ورقة الأنصارية رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الشهيدة، فلما كان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتلها غلامها وجارتها، فأتي بهما عمر بن الخطاب فقتلهما وصلبهما. 

كذلك ما روي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه أُتي بزنادقة! فأحرقهم. فبلغ ذلك عبد الله بن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تعذبوا بعذاب الله)) ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه))
وكذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، كفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب: كيف تقاتل الناس؟ وقدقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)) . فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر بن الخطاب: فو الله ‍‍! ماهو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق))

وهكذا كما هو ظاهر من نصوص القرآن و السنة و إجماع المسلمين تظهر نصاعة الحكم الشرعي في المرتد عن دين الله تعالى . 

حد الردة لا يناقض حرية الإعتقاد والفكر الواردة في القرآن الكريم. 

يسعى أهل الباطل – لا وفقهم الله – في نبش قبور الشبهات الخبيثة وإلقائها على عقول المسلمين بغية أن ينالوا شيئا ، ولن ينالوا لأن الله حافظ دينه و ناصره. 

ومن هذه الشبهات قولهم إن حد الردة - وهو القتل - يتنافى مع حرية التدين وعدم الإكراه التي جاءت في القرآن وكفلها ربنا لبني آدم . 

فكيف يُصدر القرآن حكما بتحريم الإكراه ثم تحكمون على من ارتد عن الاسلام بالقتل ؟! 

فيقال : إن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة ومقدسة إلي الحد الذي لا يجوز العدوان عليها، وهذا بصريح النصوص القرآنية التي تعلن أنه {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} . الآية 256 البقرة. 

ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيداً لا يقبل التأويل في قوله عز وجل {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} . الآية 29 الكهف. 

وجاء التأكيد الصريح في ترك مسألة الإعتقاد للحرية الكاملة في قوله عز وجل {قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم وليَّ دين} سورة الكافرون كلها. 

وقد أكد رسول الله (تلك الحرية عملياً عندما هاجر إلي المدينة المنورة، ووضع أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود أنهم مع المسلمين يشكلون أمة واحدة (قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله (كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم وشرط لهم ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس.....))

ومن منطلق هذه الحرية الدينية التي يضمنها الإسلام، كان إعطاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان ((لأنفسهم وأموالهم وصلبانهم.. لا تهدم، ولا ينتقص منها ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم.))

ومع تقرير الإسلام الحرية المطلقة في اختيار العقيدة، إلا أن تلك الحرية تقف عندما تبدأ حرية الغير وحقوقه. 

فكل فرد حر في أن يعتقد ما يشاء، وأن يتبني لنفسه من الأفكار ما يريد، حتى ولو كان ما يعتقده أفكاراً إلحادية، فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه، ولا يؤذي بها أحد من الناس. 

أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التي تتناقض مع معتقدات الدين الإسلام، وتتعارض مع قيم الناس التي يدينون لها بالولاء، فإنه بذلك يكون قد اعتدي على حقوق هذا الدين وحقوق معتنقيه. 

ومعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة، دنيا وآخره، وبتعبير عصرنا دين ودولة. 

فقتل المرتد عن دين الإسلام حينئذ ليس لأنه ارتد فقط؛ ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة، وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية!. 

أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس، ويثير الشكوك في نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور. ولن تخسر الأمة بارتداده شئ بل هو الذي سيخسر دنياه وآخرته قال تعالى: {ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.} . الآية 217 البقرة. 

إن الإسلام إذ يقرر حرية العقيدة على ما سبق، لا يجبر أحدا على الدخول فيه فإذا ارتضاه الإنسان بكامل إرادته وحريته واقتناعه، فعليه أن يلتزمه لأن الأمر في الدين جد، لا عبث فيه، لأنه بدخوله الإسلام أصبح عضواً في جماعة المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، وكأنه بهذا قد دخل مع جماعة المسلمين في عقد اجتماعي يقرر الإنتماء والولاء بكل ما لهما من حقوق وواجبات للفرد والأمة التي ينتمي إليها.... وبهذا العقد الاجتماعي يصبح الفرد وكأنه جزء من جسد الأمة على النحو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:بقوله: ((مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد. إذا اشتكي منه عضو، تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمى))

فإذا عنَّ لأحدهم بعد ذلك أن يرتد ـ أعني أن يفارق الأمة التي كان عضواً فيها وجزءاً منها تمنحه ولائها وحمايتها، ويسعي إلي تمزيق وحدتها، إنه بهذا قد مارس ما يشبه (الخيانة الوطنية) في المستوي السياسي. 

وخيانة الوطن في السياسة جزائها الإعدام، ولن تكون أقل منها خيانة الدين! .


ونتساءل بعد ذلك الاستعراض: 

هل من حرية الفكر والاعتقاد أن يسلم رجل ليتزوج امرأة مسلمة، فإذا نال مبتغاه منها وتحولت عاطفته عنها رجع إلي دينه الأول....؟ 

أو هل من حرية الفكر أن يتصل شخص بأعداء أمته، وينقل إليهم أسرارها، ويتآمر معهم على مستقبلها؟ 

إنه لا بد من التفريق بين العبث بالدين أو خيانة الوطن وبين حرية الفكر! فالمسافة شاسعة بين المعنيين! 

وقد ذكر رب العزة في كتابه العزيز كيف أراد اليهود استغلال هذه الحرية لضرب الإسلام، وصرف الناس عنه: قال تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنْزِلَ على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون.} . الآية 72 آل عمران. 

فهل ترضي جماعة تحترم دينها بهذا العبث! أو أن ينجح هذا التلاعب؟ ‍‍‍‍‍! . 

وعندما ننظر إلي السيرة النبوية العطرة، وتاريخنا الإسلامي الطويل نجد أن قتلا المرتدين إلي أخر رمق، تم دفاعاً عن الدين والدولة معاً، وما سمعنا برجل قتل مرتداً لأنه ترك الصلاة مثلاً. 

إن الإرتداد كما شرحنا خروج على دولة الإسلام بغية النيل منها ومنه، والإتيان عليها وعليه، ومقاتلة المرتدين دين.


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة